كيف تخرج مصر من أزمتها الاقتصادية

تحديات الاقتصاد المصري والفرص الكامنة

جنيه متدهور، وشح في الدولار، وتصاعد احتمالات تعويم جديد، ومعدلات تضخم قياسية، وديون مرتفعة، ونقص في التمويل، وصعوبة في الوصول إلى أسواق الدين، وتخفيضات متتالية في التصنيف الائتماني. هذه أبرز آثار الأزمة الاقتصادية في مصر، ولا تزال هناك تفاصيل كثيرة أخرى ترسم ملامحها.

هذه التداعيات المتتالية التي تعاظمت في مصر منذ 2020، تطرح تساؤلاً أساسياً بالنسبة إلى أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، وهو: هل تستطيع مصر الخروج من هذه الأزمات في ظل تصاعد التحديات الداخلية والخارجية؟

الدولار ثم الدولار

الأزمة الأولى والمباشرة تتمثل في شح الدولار وما يترتب عليه من آثار على غرار ارتفاع أسعار الصرف في الأسواق الموازية، ليصبح السؤال الأساسي الذي يشغل بال المصريين هو: “الدولار بكام اليوم”؟

بحسب المحلل المالي في “إنتفاضة” ، فإن الأزمة الاقتصادية في مصر رفعت الفارق في سعر الدولار مقابل الجنيه في السوقين الرسمية والموازية إلى أكثر من 70%، كما ارتفعت كلفة التأمين ضد مخاطر عدم السداد، مما دفع الدائنين إلى المطالبة بعوائد مرتفعة لقاء تمويل مصر، وهو ما حد من قدرة البلاد على الوصول إلى أسواق التمويل الدولية.

وأضاف أن الأسهم المصرية المتداولة في البورصة شهدت عاماً قياسياً من الارتفاع، إلا أن تقويم الأداء بالدولار يظهر أن المكاسب التي حققتها الأسهم تقلصت إلى النصف.

أزمة مصر تفاقمت أيضاً مع خفض وكالات التصنيف الائتمانية لنظرتها بالنسبة للاقتصاد المصري، والتي كان آخرها وكالة “فيتش” في نوفمبر الجاري و”موديز” في أكتوبر.

واعتبرت أن مصادر التمويل قد تكون مرتبطة بالتقدم مع اتفاق القرض بين القاهرة وصندوق النقد الدولي، وزيادة حجم التمويل منه، بالإضافة إلى الاتفاق مع الدائنين لإعادة جدولة بعض الديون، لتوسيع هامش التحرك.

اتفق الاقتصاديان على إمكانية زيادة التمويل من صندوق النقد وذلك بفعل تغير ظروف الاقتصاد العالمي، وذلك في إشارة إلى توقف دورة رفع أسعار الفائدة، في حين اعتبر أبو باشا أن التحرك الكبير في قيمة الجنيه على مدار العامين الماضيين، وبعض الاستقرار بالنسبة للميزان التجاري والحسابات الجارية، يمكن أن يشير إلى إمكانية الاقتراب من نهاية الأزمة.

البحث عن حلول

لا يكتمل الحديث عن الأزمة من دون البحث عن الحلول. وفي هذا الإطار اعتبر هاني توفيق، رئيس جمعيتي الاستثمار العربي المباشر المصرية والعربية سابقاً في تصريح ، أن المشكلة موجودة وستتفاقم، منبهاً إلى أن سعر الدولار هو أمر ثانوي.

توفيق اعتبر أن باب الحل يتمثل في تحقيق إصلاح هيكلي للاقتصاد يتضمن مد آجال الديون التي تصل إلى 160 مليار دولار، والمستحقة خلال السنوات الثلاث إلى الأربع المقبلة، والتي تشكل ضغطاً كبيراً على الاقتصاد، داعياً إلى تأسيس صندوق مستقل تؤول إليه إيرادات الدولة الدولارية قادر على إصدار سندات طويلة الأجل تخفف الضغط الحالي، ويتيح للمركزي التحكم في تعويم مدار لسعر الصرف.

الإصلاح الهيكلي يتضمن أيضاً جذب الاستثمارات الأجنبية، وإزالة البيروقراطية والفساد بحسب توفيق، بالإضافة إلى “إعلان واضح من الدولة عن انسحابها من النشاط الاقتصادي بالكامل”، معتبراً أن غير ذلك هي مجرد حلول قائمة على “الترقيع”.

رئيس أسواق الدين في “غولف إنفستمنت كوربورايشن” رافاييل برتوني اتفق مع الحلول التي طرحها توفيق، معتبراً في تصريحات أنها “أساسية وحاسمة”. وأضاف أن هناك الكثير مما قامت به الحكومة خلال السنة الجارية، لكن لا يزال عليها القيام بالكثير من الأمور.

ودل برتوني على تحسن ميزان المدفوعات الذي كان أفضل من توقعات صندوق النقد في بداية السنة، بوصفه إشارة “جيدة” على أن الإصلاحات التي قامت بها مصر بدأت تؤتي ثمارها. ولكن توفيق رد هذا التحسن في ميزان المدفوعات إلى “خنق السوق وتقليل الاستيراد وتوقف جزء كبير من المصانع عن الإنتاج”، بفعل أزمة الدولار ومترتباتها. وأشار إلى أن المهم والأساسي يتمثل في زيادة الصادرات.

سعر الدولار

الحديث عن الدولار مرتبط بشكل مباشر مع خطوات مترقبة لتعويم الجنيه، بعد ثلاثة تخفيضات في قيمته منذ العام الماضي.

برتوني أشار إلى أن معدلات التضخم التي سجلت 38% في سبتمبر الماضي، ستكون أقل حدة السنة المقبلة، مضيفاً: “من منظور المستثمرين، فإن تعويم العملة بشكل حر سيكون أكبر تحدٍّ للسنة القادمة”

اترك رد